‫الرئيسية‬ تاريخ المدن مدن وتاريخ مدينة تبرسق واحتفالية الذكرى 118لتاسيسها

مدن وتاريخ مدينة تبرسق واحتفالية الذكرى 118لتاسيسها

تبرسق العريقة ثقافة وسلوكيات وتحضر

تونس/تبرسق  :كتب عبد اللطيف العياضي

 

 

 

 

* مدخل نظري و أدوات لتحليل المجال الحضري و المدن بمناسبة الذكرى 118 لتأسيس بلدية تبرسق التونسية .. لن نعلب و لن نقدم المظاهر الاحتفالية في مثل هذه المناسبات على حساب تجذير و نشر ثقافة و سلوكيات المدنية و التحضر بالعودة الى رواد تعريف و ضبط أدوات تحليل الظاهرة الحضرية و المدن أمثال ” ماكس فيبر ” و ” جورج زيمل ” ( سيمل ) اللذين يعتبران من المؤسسين للمقاربة السلوكية – الحضرية ( النظرية النفسية – الاجتماعية ) و للتعريف السوسيولوجي النموذجي للمدينة و تقود الأول بالخصوص هواجس العقلنة و الشرعنة التي تدار على ضوئها المجالات الحضرية و المدن بعيدا عن الأهواء و الأمزجة و العواطف .. و نعطف على النظرية الأولى بالنظرية الايكولوجية لتكتمل صورة الادارة المثلى للمدن بعيدا عن الهنات الناتجة عن قصور في التمثل و التصور للظاهرة الحضرية و المدن و مقوماتها و لأدوات النحليل النفسية – الاجتماعية أو الايكولوجية المقتدرة على فك طلاسمها و التعرف على منسوب العقلنة و الشرعنة لدى سكانها و لدى القائمين على مؤسسات القرار فيها مع استحضار النظرية الايكولوجية حتى يقترن المفيد بالممتع و تنمو المدينة و تتنوع قاعدتها الاقتصادية و تنشط بها مؤسسات الثقافة و التعليم و الخدمات الاجتماعية و المصرفية و الصحية و تزدهر الصنائع و التقنيات و التجارة و الأسواق في بيئة ينشطها و يستفيد منها الانسان المتحضر بعقلانيته و باستحضاره المقاربة الايكولوجية في مراحل التخطيط للمدن و وضع أمثلة و اتجاهات توسعها حفظا لمقومات جودة الحياة .. نحن ازاء مبحث سوسيولوجي من وجهة نظر أعمال علماء المدرسة الألمانية في علم الاجتماع و تعرف بالاتجاه السلوكي أو الاتجاه التنظيمي لاهتمامها و تركيزها على جوانب السلوك و الفعل و العلاقات و التفاعلات الاجتماعية ، و المظهر التنظيمي للحياة الاجتماعية ، الحضرية ، باعتباره شرطا و مقوما أساسيا لمجتمع المدينة ، و على ضوء ذلك يوصف الفرد بالحضرية و التمدن بناء على نمط سلوكه أكثر من مكان اقامته ، و بذلك تكون المدينة مجال العقلانية و التفاعل الاجتماعي العقلاني و تراجع و اختفاء السلوك العاطفي .. و تقودنا في مثل هذا العمل أفكار ” فرديناند تونيز ” و ” ماكس فيبر ” و ” جورج زيمل ” ( سيمل ) و ” شينجلر ” .. مع ” ماكس فيبر ” ( 1864 – 1920 ) دخلت علاقة السوسيولوجيا بالمدينة طورا جديدا و حاسما ، اذ تحولت من موضوع عرضي في سياق دعم تحليل معين عن تطور المجتمع ، الى موضوع يحظى بمصنف كامل و مستقل أطلق عليه مؤلفه عنوان : ” المدينة ” .. و قد بنى ” ماكس فيبر ” تصوره للمدينة انطلاقا من منظور تاريخي مقارن ، انطلق فيه من مدن مصر ، و تلك السابقة لميلاد السيد المسيح عليه السلام ، فالى المدينة الرومانية ، و الاسلامية ، و الآسياوية ، و الأوروبية ، و الروسية و خلافها .. عرف ” ماكس فيبر ” الظاهرة الحضرية و المدينة وفق معيار التعريف السوسيولوجي النموذجي للمدينة على أنهما يمثلان مجال السكن المتقارب و المتجمع ( حائطا لحائط غالبا ) و الذي يغلب الخصائص الكمية على التصور الشائع للظاهرة الحضرية و المدينة .. و تغلب على تعريفات و تمثلات ” ماكس فيبر ” للمدينة و للظاهرة الحضرية تصنيفات نظرية و نماذج مثالية تقودها هواجس العقلنة و الشرعنة و حددهما من خلال الأبعاد و الوظائف التالية : ( 1 ) المدينة ككيان اقتصادي : يجعل منها تجمعا سكانيا تجاريا و سوقا دائمة ، لأنها تستمد مشروعيتها من وظيفتها الاقتصادية .. ( 2 ) المدينة ككيان سياسي : بين أن الأنشطة الاقتصادية و الادارية للمدينة لا تضبط و لا تسير بشكل جيد الا بتوفر نمط معين من التنظيم الاداري و القانوني .. ( 3 ) المدينة ككيان اداري – قانوني : نظرا لكونها تمثل بالأساس مركزا اداريا و تجمعا لمجموعة من الوظائف و الأنشطة التي تعكس المؤسسات السياسية للحكم المركزي .. رغم أهمية المنظور التاريخي المقارن عند ” ماكس فيبر ” في تناوله للظاهرة الحضرية و للمدينة بمنظور متعدد الأبعاد ، فانه بتعريفه النموذجي المثالي للمدينة يسقط في النزعة ” المركزية ” عندما اعتبر أن مفهوم المدينة لا تكتمل مقوماته الا في أوروبا الغربية بالاضافة الى غياب المقاربة الايكولوجية في تمثله و تحليله للظاهرة الحضرية و للمدن التي اقتصر تمثله و تعريفه لها على أساس أنها مركزا للسلطة و العقلنة و البيروقراطية .. علينا أن نجزم أنه رغم الهنات البسيطة المتصلة بالمقاربة الايكولوجية و بتقسيم العمل في المدن فان ” ماكس فيبر ” الى جانب ” جورج زيمل ” ( سيمل ) يعدان أهم و أبرز علماء الاجتماع اللذين كان لهما الفضل في ارساء قواعد التناول الفكري للظاهرة الحضرية و للمدن و أنه يصعب تجاهل مساهمتهما عند الاقبال على الكتابة في هذا المجال اليوم في حال استبعدنا استحالة ذلك لتمكينهم الباحثين من أدوات تحليلية مبتكرة ، لم تكن متداولة بين الجغرافيين و السوسيولوجيين أو العاملين في مجال التاريخ المقارن من العلماء الضليعين .. و نقدر أن هذه الثقافة المتصلة بالمجال الحضري و بالمدينة يجب أن تعمم على المستشارين البلديين و المساعدين و رؤساء البلديات ليستحضروا في أذهانهم قبل اتخاذ القرارات و قبل التداول في مجالسهم المفاهيم النظرية و التعريفات و علاقة السلوكيات البشرية بالظاهرة الحضرية و بالمدن و يمكن أن تضطلع بهذا الدور في تونس ” الجامعة الوطنية للمدن ” حسب تسمية انشائها أو ” الجامعة الوطنية للبلديات التونسية ” اليوم ، و ستكون لنا باذن الله عودة الى تناول مقاربة ” جورج زيمل ” ( سيمل ) في تعريفه للمجال الحضري و للمدينة و في تحليلهما ، في علاقة وطيدة بين الثقافة و المجال في الوسط الحضري .. لن نترك الذكرى 118 لنأسيس بلدية تبرسق تمر دون أن نشبع حاجة القراء و المطالعين لصحيفة و مجلة ” الموعد الجديد العالمية ” و من ورائهم كافة المضطلعين بالمسؤولية البلدية ليحيطوا بالجوانب النفسية و الثقافية المقترنة بالمجال الحضري و المؤثرة في اتخاذ القرارات المتصلة بمراجعة أمثلة التهيئة العمرانية أو باتجاهات نمو المدن و ضبط او تعديل و ظائفها و الانتباه الى مقومات خصوصياتها التي يكمن فيها تميزها و تفردها مع اشتراكها مع مدن العالم المعمور في المكونات العامة مثل النواة و الأحياء و الضواحي ..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بهدوء شديد سقوط دمشق

بهدوء شديد: سقوط دمشق– كتب محمد خفاجى عضو الأتحاد العام للمصريين بالخارج كويت اتمنى …