‫الرئيسية‬ أخبار الساعة بين خطاب المقاومة ولغة السياسة .. قراءة في رد حماس على مقترح ترامب .. حماس تقود المقاومة وتسود السياسة
أخبار الساعة - اخبار فلسطين - اخبار من اليمن - ‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

بين خطاب المقاومة ولغة السياسة .. قراءة في رد حماس على مقترح ترامب .. حماس تقود المقاومة وتسود السياسة

🔥 بين خطاب المقاومة ولغة السياسة: قراءة في رد حماس على مقترح ترامب — حماس تقود المقاومة وتصوغ السياسة

✍  اليمن  / كتب/عبدالله صالح الحاج

في لحظة مشبعة بالدم والرماد، وفي ساعة يختلط فيها دخان الصواريخ بأنين الأطفال تحت الركام، خرجت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ببيان لم يكن مجرد رد رسمي على مقترح أمريكي عابر، ولا ترفًا سياسيًا في زمن الإبادة، بل إعلانًا عن مرحلة جديدة تمزج بين رصانة السياسة وصلابة المقاومة، بين فن التفاوض وسلاح البندقية.

لقد اختارت حماس لغة بعيدة عن الانفعال الممجوج، وجاءت مفرداتها محكمة ودقيقة: “المسؤولية الوطنية”، “المصالح العليا”، “الموقف الجامع”. وهي تعبيرات لا تُوجَّه داخليًا فقط، بل هي خطاب موجه للعالم، ليؤكد أن الحركة لم تعد مجرد فصيل ميداني يطلق الصواريخ، بل قوة سياسية تعرف لغة الدول وتتفوق في مفردات الدبلوماسية حين يحين وقتها.

وكانت المفاجأة في البيان تلك العبارة التي قد تُسجّل في ذاكرة السياسة: “تقدّر حركة المقاومة الإسلامية حماس جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”. هذه العبارة، كما لاحظت صحيفة القدس العربي، تمثل “تحولًا نوعيًا في أداء الحركة، من موقع فصيل مقاوم إلى موقع قوة سياسية تُتقن مخاطبة المجتمع الدولي”.

لكن حماس لم تمنح الشرعية للخطة كاملة، بل انتقت منها ما يخدم اللحظة: وقف الحرب، رفض التهجير، تبادل الأسرى، بينما رُحّلت الملفات الكبرى مثل القدس واللاجئين والدولة إلى “الإطار الوطني الجامع”. وقد اعتبرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن هذا يمثل “إشارة غير مسبوقة”، تضع الحركة في موقع طرف تفاوضي معترف به دوليًا، وهو ما يثير قلق تل أبيب ويعيد تشكيل موازين القوى.

أبرز ما حمله البيان إعلان الاستعداد لتسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية مستقلة (تكنوقراط)، وهو ما قد يُفهم خطأً كتخلي عن السلطة، لكن القراءة الأعمق تكشف أنه فصل واعٍ بين “المسؤولية السياسية” و”العبء الإداري”، حيث أكدت الحركة: “لسنا أسرى الكرسي، بل نحن حُرّاس القضية”. وهو موقف يعكس إدراكًا بأن الحفاظ على المقاومة أولى من التمسك بالمناصب، كما أوضح الكاتب والمحلل الفلسطيني مصطفى الصواف: “حماس لا تتخلى عن غزة، بل تحاول تحصينها من الاستنزاف، وعندما تقول إنها مستعدة لتسليم الإدارة لمستقلين فهي تعلن أن القضية أكبر من السلطة”.

وتضمّن البيان موافقة صريحة على صفقة تبادل أسرى شاملة تشمل الأحياء والجثامين، وهو تكتيك مزدوج: تحقيق إنجاز إنساني وسياسي يعزز مكانة الحركة، وفرض معادلة واضحة أمام الاحتلال، إذ تؤكد حماس: “لا سلام ولا وقف حرب دون ثمن”. وقد اعتبر الخبير الإسرائيلي عاموس هارئيل أن: “حماس تعي أن ملف الأسرى نقطة ضعف إسرائيل، وقدرتها على استخدامه في المفاوضات تجعلها تتقدم خطوة على نتنياهو في معركة الرأي العام الإسرائيلي”.

حملت رسائل البيان أبعادًا متعددة الاتجاهات: للشعب الفلسطيني “نحن لم نفرّط في ثوابتكم”، وللفصائل “قررنا بعد مشاورات معكم”، وللوسطاء “نحن جاهزون للتفاوض عبركم”، ولأمريكا “يمكن أن نتحدث بلغة السياسة إذا توقف العدوان”، وللاحتلال “لن تروا هدوءًا بلا صفقة، ولن تهجّروا شعبنا بلا ثمن”. وهو ما يجعل البيان إعلانًا بحد ذاته عن تحول في مكانة حماس من مجرد “سلطة أمر واقع” إلى لاعب إقليمي يطرق أبواب السياسة الدولية، لتصبح غزة ورقة سياسية تُناقش على أعلى المستويات.

إن البيان الأخير ليس نهاية معركة، بل بداية مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الفلسطيني، مرحلة المزج بين خطاب المقاومة ولغة السياسة. والسؤال يبقى مفتوحًا: هل هو تحوّل استراتيجي دائم في نهج حماس أم مناورة تكتيكية لالتقاط الأنفاس وسط حرب الإبادة؟ ما هو ثابت أن تل أبيب استقبلت البيان بصدمة، فالحركة التي أرادوا سحقها عسكريًا خرجت أقوى سياسيًا، وفرضت نفسها لاعبًا لا يمكن تجاوزه.

رد حماس على مقترح ترامب ليس مجرد بيان سياسي، بل إعلان حرب بلغة جديدة، حرب الإرادة، وحرب الموقف الاستراتيجي، فهو يجمع بين ثنائية المقاومة والسياسة ليعيد صياغة قواعد اللعبة في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. وبينما يعتقد العدو أن القوة العسكرية تكفي لسحق إرادة الشعب، تأتي حماس لتثبت أن المقاومة الحقيقية تبدأ عندما تُصاغ السياسة على قاعدة الحق والمقاومة، وأن السياسة ليست خيارًا بديلًا، بل امتداد للمقاومة وسلاحًا إضافيًا في ترسانة الصراع.

هذا البيان يضع فلسطين أمام مفترق طرق تاريخي، ليس فقط في مواجهة الاحتلال، بل في مواجهة خذلان العرب والمسلمين، وفي اختبار قدرة الأمة على الالتفاف خلف قضية غزة، باعتبارها معركة الوجود والكرامة. إن رد حماس على مقترح ترامب ليس مجرد موقف أو بيان، بل إعلان ميلاد مرحلة جديدة في مسار الصراع الفلسطيني، مرحلة تكتب فيها المقاومة السياسية تاريخًا جديدًا، لتقول للعالم إن المقاومة لا تتنازل، وأن السياسة ليست استسلامًا، بل فن مواجهة العدو بأدوات القوة والحق معًا.

في لحظة يظن العدو أن صمت العرب هو مدخل للنصر، جاءت حماس لتكسر هذا الوهم، وتثبت أن القوة الحقيقية ليست فقط في الرصاص، بل في القدرة على صياغة موازين القوى، وأن غزة ليست ساحة حرب عابرة، بل مشروع إرادة، وأن المعركة لم تعد فقط على الأرض، بل على مستوى صياغة السياسة وفرض شروطها، وأن الإرادة الوطنية تصنع السياسة، وأن السياسة تصنع النصر.

ونصرة لغزة والشعب الفلسطيني ليست خيارًا أو شعارًا، بل واجب الأمة واختبارها التاريخي: إما أن تقف حيث يجب، أو يسقط الجميع في هوة الخيانة التي لن يغفرها التاريخ.

المصادر والمراجع:
1. القدس العربي، “حماس تعلن موافقتها على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين وفق صيغة التبادل”، 3 أكتوبر 2025.

2. هآرتس، “حماس في ردها على خطة ترامب: مستقبل غزة وحقوق الشعب تُناقش في إطار فلسطيني جامع”، 4 أكتوبر 2025.

3. يورونيوز، “حماس تسلم ردها على خطة ترامب للوسطاء وتبدي استعدادها للتفاوض”، 3 أكتوبر 2025.

4. البوصلة، “ترامب ينشر بيان حركة حماس على حسابه بمنصة تروث سوشيال”، 3 أكتوبر 2025.

5. RT العربية، “حماس تعلن موقفها الرسمي من خطة ترامب وتسلمه للوسطاء”، 3 أكتوبر 2025.
6.

‫شاهد أيضًا‬

العراق مكتب بغداد/ صحفي ميساني يعمل بصمت في بغداد

صحفي ميساني يعمل بصمت في بغداد بقلم الاعلامي علي محمد جابر الحلفي في زمنٍ تتسابق فيه الأضو…