جسر النيسان … للكاتبة جهاد سالم
مكتب الكويت
كتبت الاستاذه جهاد سالم
( جسر النسيان)
جسر النسيان
انفصلت عنه بعد محاولات عدة لإتمام العلاقة وترميم شروخها، رغم أنها أحبّته منذ لقائهما الأول.
تمت خطبتهما قبل حفل تخرجهما وسط الأصدقاء والأقارب، في مكان مفتوح وسط الطبيعة الخلابة، بناءً على طلبه.
هو من نظّم الحفل بنفسه، حتى ترتيب المقاعد وزوايا التصوير، لكنه لم يسعفه الحظ في الحضور في الموعد المحدد، معتذرًا لها بعد محاولات عدة لإرضائها.
طلب منها السفر معه للتزلج على الأمواج في شاطئ “ريس” بفرنسا. وافقت على مضض، متمسكة بخيط أمل واهٍ أن يقربهما هذا السفر، لكن آمالها تبددت سريعًا؛ إذ بدا البحر وكأنه منافسها الوحيد في قلبه.
عادت لتتصل بأصدقائها القدامى فور عودتها، بحثًا عن قدر من الهدوء بعد ضوضاء الشواطئ والألعاب المائية.
لم يُحدد موعد الزفاف بعد، لانشغاله في موسم الشتاء بالجري خلف الأمواج العالية.
مرت الأيام بطيئة ومتشابهة؛ تحضر حفلات زفاف صديقاتها وحدها، تبتسم مجاملة، وتكتم شعور الوحدة المتزايد داخلها.
سألتها إحداهن ذات مرة:
“أين خطيبك؟ ومتى نفرح بكما؟”
أجابت بحزن:
“قريبًا، إن شاء الله.”
وذات مرة، في سبوع مولود لإحدى قريباتها، جلست حالمة مبتسمة، وهي تنظر إلى ملامح المولود.
اقترب الموعد وكثرت أعذاره. شعرت بالإحراج، وأيقنت أنه لم يكن مهتمًا بأمرها إطلاقًا، وأن علاقتهما وصلت إلى طريق مسدود.
اتصلت عليه ذات يوم مشتاقة إليه، وأرادت أن يبادلها الشوق. حادثته عن الأمواج وكيف يلاحقها أينما ذهبت.
داست على قلبها بقدم ثابتة، وقاطعته: “لن أكمل معك.”
اعتذر لها، معاتبًا: “كيف لا تتحملينني حتى أنهي جولتي الرياضية؟”
أجابته بثبات: “نحن نهران لا يلتقيان أبدًا. لك عالمك، وتبدو الأمواج مناسبة لك، وأنا أحتاج ميناء أرسو عليه.”
تمنى لها السعادة والتوفيق في حياتها، مودعًا إياها بلا تردد.
ازدادت حالتها سوءًا. لم تغادر غرفتها لعدة شهور. لاحظت أمها الأمر وقلقت عليها.
اقترحت عليها السفر في نزهة، قائلة إنها سمعت عن جسر يُقال إنه يمحو الأحزان ممن يعبرونه، حتى أطلقوا عليه “جسر النسيان.”
استمعت لحديث أمها باهتمام، ورأت في ذلك فرصة ثمينة لتنسى آلامها. تحمّست للسفر برفقة والدتها إلى كندا.
عند وصولها، طلبت أن تذهب إلى الجسر أولًا، كأنه موعد مع الطبيعة لا تريد أن تتأخر عنه.
أخبرها عامل الفندق أن لديهم ماراثونًا للجري سيمر من هناك.
سألته إن كان ما سمعته عن الجسر صحيحًا، فأجابها: “نعم، حقيقة، وستجربين ذلك بنفسك.”
ولما تراءى لها، وجدته أجمل من الصور. لم توفِّه الكلمات حقه؛ كأنه قطعة من الجنة، جسر يتوسط قلب الطبيعة، تحتضنه الأشجار، ويحتضن المارّ به بحنان وهدوء، كأنه يهدهده لينسيه أوجاعه.
شعرت وكأن الطبيعة أهدته لها لتنعم برفقته وحدها، تسمع ألحان طيوره، وتلاطف خديها نسماته.
تساءلت في نفسها: “كيف لو رافقته أكثر من مرة؟ ما الذي سيحدث لي؟”
سارتا مستمتعتين بالطبيعة الساحرة، وجلستا على طاولة مرتفعة، لرؤية الماراثون من زاوية أوضح.
وأثناء تناولهما الشاي المفضل لديهما، بدأ الماراثون يخرج من قلب الغابة مع تغطية إعلامية واسعة.
وقفت مندهشة لما رأت، وخلعت نظارتها الشمسية لتتأكد مما تراه.
كان هو!
نفس النظرة، نفس الابتسامة التي طالما كانت تراها وهي مغمورة بحبه.
كان يتقدم بخطوات ثابتة، عيناه مثبتتان على هدف بعيد، وكأنه لم يرها.
تسارعت دقات قلبها، لكن هذه المرة ليس شوقًا، بل حيرة.
أدارت وجهها عنه ببطء، تنفست بعمق، وقررت أن تعبر الجسر مرة أخرى، هذه المرة وحدها تمامًا، كأنما تغلق بابًا خلفها للأبد.
جهاد سالم
مصر
دور اليمن في اتفاق غزة :العمليات العسكرية والمظاهرات المليونية كوسائل ضغط
*دور اليمن في اتفاق غزة: العمليات العسكرية والمظاهرات المليونية كوسائل ضغط* اليمن / *بقلم/…