‫الرئيسية‬ Around the world رمضان في العراق/سحر التقاليد والعادات الأصيلة :جزء1

رمضان في العراق/سحر التقاليد والعادات الأصيلة :جزء1

 

 

 

رمضان في العراق.. سحر التقاليد الراسخة والعادات الأصيلة
الجزء1

العراق/كاميليا حسين

 

 

“وكنا سمعنا أن هواء بغداد يُنبت السرور في القلب، ويبعث النفس دائما على الانبساط والأُنس، فلا تكاد تجد فيها إلا جذلان طربا، وإن كان نازح الدار مغتربا، حتى حللنا بهذا الموضع المذكور، وهو على مرحلة منها، فلما نفحتنا نوافح هوائها، ونفعنا الغلة ببرد مائها، أحسسنا من نفوسنا، على حال وحشة الاغتراب، دواعي من الإطراب، واستشعرنا بواعث فرح كأنه فرحة الغياب بالإياب، وهبت بنا محركات من الإطراب، أذكرتنا معاهد الأحباب، في ريعان الشباب. هذا للغريب النازح الوطن، فكيف للوافد فيها على أهلٍ وسكن! سقى الله باب الطاق صوب غمامةٍ … ورد إلى الأوطان كـل غـريب”
(ابن جبير، “تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار – رحلة ابن جبير”)
عُرفت باسم بلاد الرافدين، وامتد تاريخها لأكثر من عشرة آلاف عام، فعلى ضفاف نهرَيْ دجلة والفرات نشأت أعظم الحضارات وأقدمها. في العراق ابتكر الإنسان العجلة والكتابة، وسعى لتحقيق العدالة عبر أول قانون، وفيها أيضا ازدهرت الحضارة الإسلامية خاصة في العصر العباسي، ولذلك لا يزال رمضان في العراق يحمل دهشة لا مثيل لها.

على الرغم من غلاء الأسعار في الأسواق العراقية في الوقت الحالي، فإنها لا تزال تزدحم بالرواد، الذين يتجهون إليها منذ بداية شهر رمضان استعدادا للشهر الكريم. وتظل الأسواق مزدحمة طوال الشهر، ومن أشهرها سوق المنصور، وسوق الشورجة، الذي يضم عددا من الأسواق الأخرى الفرعية مثل سوق الخضار وسوق البهارات والحلويات، بالإضافة إلى صنابير المياه العمومية، التي يلجأ إليها المارة لرش المياه الباردة على وجوههم للتخفُّف من حرارة الجو أثناء الصيام، حيث تحمل أزقة وشوارع الأسواق روائح الشهر الفضيل وتقاليده المتوارثة.
المائدة العراقية في رمضان.. وأول كتاب طبخ في العالم
وما دمنا نتحدث عن رمضان وطقوسه، فلا بد أن يأخذنا الحديث إلى المطبخ العراقي العامر بمختلف الأصناف والأطباق التي تعود أصولها إلى آلاف السنين، ولا عجب في ذلك، إذ إن بلاد الرافدين قدَّمت للعالم أقدم وصفات الطبخ، حيث عُثر في أرشيف جامعة “ييل” (Yale) في الولايات المتحدة الأميركية على ثلاثة ألواح كتابة مسمارية قديمة، يعود تاريخها إلى عام 1750 قبل الميلاد وتوضح مجموعة كبيرة من وصفات الطعام، بعضها لا يزال حيا حتى اليوم في المطبخ العراقي مثل التشريب وخبز العروك، واعتُبرت هذه الألواح أقدم كتاب طهي في العالم.
وقد استضافت أراضي العراق مجموعة من أعرق الحضارات الإنسانية كالسومرية والبابلية والآشورية، كما ازدهر المطبخ العراقي أيضا خلال العصر الإسلامي، وخاصة في العصر العباسي حيث كانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية. انعكس ذلك على الأطباق العراقية، التي تأثرت أيضا بثقافات وتقاليد الطهي المستمدة من ثقافات مجاورة مثل المطبخ التركي والإيراني والسوري.

وربما يكون أول ما يلفت الأنظار على موائد الإفطار في البيوت العراقية هو تنوع وتعدد الأطباق، حيث يحرص الأهل والجيران على تبادل أطباق الطعام التي يعدونها، وترسل كل أسرة أطباقا متنوعة من إفطارها إلى أسرة الجيران أو الأقارب، وهكذا تتجمع مختلف الأصناف على كل مائدة في كل بيت، وهي عادة قديمة متوارثة يحرص الجميع عليها حتى اليوم لأثرها الطيب على تقوية العلاقات بين الأُسَر وبعضها.
لا تقتصر هذه العادة على البيوت فقط، حيث يحرص الكثير من المصلين على حمل طعام الإفطار المُعَد في بيوتهم إلى المسجد، بحيث يتجمع المصلون عقب أذان المغرب للإفطار معا في مائدة جماعية نسجتها أطباق متعددة صُنعت بأيدي الكرم والمحبة المتبادلة.

ويعتمد المطبخ العراقي بدرجة كبيرة على الحبوب واللحم والأصناف التي تتطلب الطهي البطيء، كما تتصدر مائدة الإفطار أطباق الحساء وخاصة حساء العدس. ومن أشهر الأطباق العراقية “سمك المسكوف”، أو “سمچ مسگوف” كما يسمى بالعامية العراقية، وهو من أطباق الأسماك المطهوة ببطء، وهو من أقدم الأطباق العراقية، حيث عثرت إحدى بعثات الآثار الإيطالية على إناء يُقدَّر عمره بأكثر من 4500 سنة به بقايا عظام أسماك تدل آثارها على أنها طُهيت بطريقة تُشابه الطريقة الحالية لإعداد المسكوف. وأصل التسمية جاء من كلمة سقفَ أي صفَّ الخشب أو الحطب على شكل سقف لشيّ السمك، حيث تُشَق السمكة من جهة الظهر حتى رأسها، وتُنظَّف من أحشائها وتُثبَّت في أوتاد من الخشب الرفيع أو الحديد لتعليقها للشوي، وتُشوى على مسافة من النار، كي يُطهى على مهل وذلك ما يمنحه طعمه المميز. وبعد نضجها من الداخل، ترفع من الأوتاد وتوضع على جمر الخشب كي يُشوى الجلد الخارجي.

ومن الأطباق العراقية المميزة أيضا أطباق الخضراوات المحشوة المعروفة باسم الدولمة أو المحشي، وهي من الأطباق المنتشرة في مختلف الدول العربية، ويقال إن أصولها تعود إلى المطبخ التركي. وتُحشى الخضراوات بالأرز المتبل بالبهارات العراقية والمخلوط باللحم المفروم وصلصة الطماطم، وتوضع في إناء عميق محكم الإغلاق مع وضع أضلاع الغنم في قاع القدر وتركها تُطهى على نار هادئة.

تتنوع طرق تقديم الدولمة بتنوع المحافظات والبلدان العراقية المختلفة، فتُضيف إليها المحافظات الشمالية المزيد من معجون الطماطم لتحمل لونا أحمر، وتميل محافظات الوسط والجنوب إلى أن تُقدِّمها متبلة ببهارات حارة ويميل لونها إلى الصفرة، فتجد أطباق الدولمة التركمانية والكركوكية والبغدادية والموصلية وغيرها.

أما محافظة الأنبار فتشتهر بطبق مميز هو “الدليمية”، وتأتي التسمية نسبة إلى قبائل دليم، وتتكون “الدليمية” من كمية كبيرة من أرز العنبر المخلوط بالمكسرات فوق طبقة من الخبز المغمور في مرق اللحم، وتُزيَّن من الأعلى بقطع من لحم الغنم.

ومن بين الأكلات العراقية الشهيرة التي تُطهى خاصة في المناسبات والولائم، وهي من الأطباق المميزة عند تجمع العائلات لولائم الإفطار في شهر رمضان، طبق القوزي أو الأوزي، وهو عبارة عن لحم خروف مشوي ينضج على مهل حتى إنه قد يستغرق ما يقرب من يوم كامل في طهيه، ويُحشى بالأرز المتبل بالملح والفلفل الأبيض والأسود .رمضان

 

 

 

 

 

‫شاهد أيضًا‬

العراق مكتب بغداد/ الساعدي يحضر اجتماع اللجنة القانونية لمناقشة قانون اعادة العقارات المشمولة بقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل

العراق / مكتب بغداد كتب الأعلامي الدكتور جمال الموسوي الساعدي يحضر اجتماع اللجنة القانونية…