‫الرئيسية‬ الموعد الجديد الأدبي قصة قصيرة بعنوان /قرار وتضحية:للكاتب العراقي محمد علي ابراهيم الجبير

قصة قصيرة بعنوان /قرار وتضحية:للكاتب العراقي محمد علي ابراهيم الجبير

 

العراق/ متابعة الاعلامي جمال الموسوي

 

قصة قصيرة بعنوان/قرار وتضحية

 

 

كانت والدة ادريس فاقدة الوعي ، ومن حولها زوجها ابو ادريس ونسوة من الجيران ، كن يبكين على أم ادريس ، الانسانة الطيبة ، ذات السمعة الممتازة والسيرة الحسنة ، كانت تشارك اهل المحلة بافراحهم واحزانهم ، ولم تتفوه بكلمة سوء في أَي يوم من الايام
وعندما تتعرض احدى نساء الجيران او اهل المحلة الى
مرض ، او حالة ولادة احدهن ، فأنها تسارع الى مساعدتها ،وكم مرة سهرت الليالي معهن الى الصباح
من اجل تقديم الخدمة لهن وكل ذلك لوجه الله ..
وكان يونس والد ادريس لايمانع ابداً من قيام زوجته بمساعدة اهل المحلة ، بل يطلب منها احياناً الذهاب
الى الجيران ، عندما يسمع ان هناك مريضة تحتاج الى المساعدة ..
يونس في الخمسين من عمره ، يقوم بتقديم الخدمة لكل محتاج من اهل المحلة وتسهيل معاملاتهم في دائرته ( دائرة الماء)عند مراجعتهم الدائرة وحسب القانون .. تزوج يونس من سهيلة والدة ادريس ، وعمره خمسة واربعون سنة ، وكان عمرها انذاك خمسة وعشرون سنة ، فهو يكبرها بعشرين سنة ، رزق منها ولداً جميلاًبعد زواجه منها بسنتين ؛ اختار له اسم ادريس ، ولُقب بأبي ادريس ..
كان يونس وزوجته سهيلة محبوبين جداً من الجميع ..
وما أن سمعوا بان سهيلة ام ادريس مريضة تسارعوا الى زيارتها ، وزاد من قلقهم عليها عندما سمعوا من زوجها بأن مرضها خطير، واصبحت ميؤوس منها ، تألموا جداً ، والتفوا حولها وهم يبكون ، ويقدمون المواساة لها ، ويدعون الله لها بالشفاء ، وهي لاتجيب ، وتنظر اليهم بعيون دامعة ، وتؤشر بهما على ولدها ، وكأنها تقول لهم ان ادريس ولدي امانة في اعناقكم ، وتارة اخرى تنظرالى ولدها الذي يلهوا بقربها ولا يدري بما يدور حوله ولايعرف بمصيروالدته نظرةً تهز المشاعر ، وتارةً ترفع نظرها الى السماء تدعو الله ان يحفظ ولدها ويحفظ زوجها الطيب ،وتدعو للجميع بالخيروالسلامة كل ذلك تعبرعنه بعيونها المملوئة بالدموع ؛؛ اشتد عليها المرض ووافاها الاجل في تلك الساعة الحزينة؛فتعالى البكاء والنحيب ولاسيما يونس ، والطفل الذي بكا لبكاء الباكين على امه ؛
واخذ الطفل يصيح وهو يبكي ،با با ، بابا ، ماما ، ماما
وكان منظره وهويبكي يفتت القلب ؛التفتت اليه احدى جاراتهم ، وجلست امامه تمسح دموعه وهي تبكي بحرارة :
-لاتخف يا ادريس لاتخف يا ماما ؛؛
– اريد ماما ، اريد ما ما رفعته ونهضت به وهي تحظنه بعطف وحنان وتضمه الى صدرها ، وشاهد الجميع ادريس وهو يبكي بشدة ورعب فتعالى بكائهم على بكائه وكأنهم شاهدوه لاول مرة ،كان المنظر مؤلما
حاول الطفل النزول من حضن جارتهم يريد ان يلقي بنفسه على والدته المسجاة ، وهويصرخ بقوة ماما ماما، اخذه والده وهو يصيح ويبكي على زوجته سهيلة ويقول ولدي ادريس ماتت امك، ماتت وسترحل عنا ولاتعود ؛
وهكذا كان المشهد المؤلم لوفاة الجارة الطيبة سهيلة، ومرت هذه اللحضات تاركةً ذكرياتها المؤلمة في نفوس الجميع ؛انتهت مراسيم دفن الجنازة وايام العزاء ، ولم يبقى في الدار سوى الطفل الصغير وعمره ثلاثة سنوات ، ويونس الرجل الكبيرالمتعب ،وهو في حزن عظيم ؛شعر يونس بقسوة فراق أم ادريس ، انها امرأة فاضلة ، واخلاقها راقية ، لم يشعر في اي يوم من الايام ببؤس أو شقاء وهي موجودة بقربه ، بل كانت حياته معها كلها سعادة وهناء ؛ولم يبقى لديه سوى الصبر،وان يحمد الله على كل حال،
قرر انيجعل كل وقته مخصص لرعاية وتربية ولده ، لهذا تجده يستيقظ صباح كل يوم ، ويُعِد الفطور ، وكل شيء، ويذهب الى ولده الصغير يحركه بلطف الى ان يستيقظ من النوم ، يساعدة في قضاء حاجته ، وغسل يديه ووجهه ، ويرتب شعره ، ويقدم الطعام له ، ويساعده على لبس ملابسه ، ويأخذه معه الى الدائرة يومياً،وسارت حياتهم هكذا، فكان لايترك ولده ساعة واحدة ؛ولما بلغ عمر ادريس ستة سنوات ادخله المدرسة الابتدائية ، يقوم بايصاله للمدرسة بنفسه يومياً ويعود له في نهاية الدوام ، ويذهب به الى الدائرة ، الى ان ينتهي دوام دائرته ، ومن ثم يذهبان الى البيت لتناول الغداء والراحة ،وبعد ذلك يقوم بتدريسه ومتابعة دروسه يوما بعد يوم ؛فأصبح يونس مربيا ومرشداًوصديقاً لولده الوحيد الغالي ادريس ؛شعرا بدفيء الحياة والاستقرار
و بسعادة غامرة ولاسيما ان الجيران لم يتركوا يونس وولده ادريس ،بل كانوا يقدمون لهم كل مساعدة وعون والحق يقال : ان المعروف مع هؤلاء الناس الطيبين لم يذهب سدى ، وفي احد الايام كان يونس وولده ادريس جالسين امام دارهم البسيطة المطلة على شارع النهر ، وكان الوقت عصراً، والسماء صافية، والهدوء مخيم على البلدة ،قال له : الان ياولدي بلغت من العمر ثلاثة عشر سنة وان شاء الله ستكون في الصف الثاني متوسط في السنة القادمة فماذا تتمنى ان تكون في المستقبل؟
– ياوالدي اتمنى على الله ان اتخرج واكون موظفاً واقوم بخدمتك ، واعوضك عن التعب والشقاء الذي بذلته في سبيل تعليمي وتربيتي وسهرت الليالي وعوضتني عن فقدان امي ؛دهش يونس من فطنة ولده وذكائه ، ومن كلماته التي نزلت على قلبه كالدواء الشافي لجروحه وازالت كل همومه ؛مرت الايام والاشهر والسنين ، انهى ادريس دراستة الثانوية ، (ونال شهادة البكلوريا ) وصدر امر تعينه موظفاً في مدينة تبعد عن مدينتهم مسافة ساعة كاملة بالسيارات اي 100كم ..
– يا أبتي استطيع ان اذهب الى الدوام وارجع يومياً ؛
-يابني أنا متقاعد ، ولايمنعني من السفر معك ، وهذه دارنا نبيعها ، ونشتري دارا في المدينة التي تم تعينك فيها بدلا عنها ،ولايهمنا الا فراق احبابنا اهل المحلة الاعزاء، ولكننا سنزورهم بين فترة واخرى ؛ ولايوجد حل آخر لانني لاأستطيع ان اتركك تعيش وحدك في الغربة ، او اتركك لمعاناة ومخاطر السفر بالسيارات يومياً..
وهكذا انتقلا الى المدينة التي عين بها ادريس،وبعد ان حصل يونس وولده على دار سكن جيدة ، تتكون من طابق واحد تحتوي على غرفتين نوم واستقبال ومرافق صحية وعلى حديقة واسعة بسعر معقول يتناسب مع سعر دارهم القديمة؛ باشر ادريس بالوظيفة الجديدة ..
وبدأت تتحسن امورهم المالية ،استطاعوا شراء اثاث جديدة وجيدة جداً ، واصبحت حياتهم هانئة في بيتهم الجديد ولايعوزهم الا زوجة صالحة الى ادريس ،لتقوم باعمال البيت ، وكان هذا رأي يونس اذ تقدمت به السن وكان على احر من الجمر على تحقيق امنيته بمشاهدة اولاد ادريس وهم يلعبون وسط البيت ..
فشاور ولده بالموضوع ،وهل يتزوج من هذه المدينة اويختارزوجة من مدينتهم الطيبة ؟؟
قال ادريس لوالده انه لم يختار فتاة من مدينتهم ،وان الامر متروك لك يا والدي باختيار الزوجة من اي مكان ؛في اليوم التالي اخذ يونس يسأل عن العائلات المحترمة فوقع اختياره على فتاة جميلة وفاتنة ..
عائلتها متوسطة الحال ، ربة بيت ، تحسن جميع اعمال البيت ،بالاضافة للخياطة،عرض الموضوع على ولده ادريس ،فطلب من والده ان يرى الفتاة ؛ويسأل عنها ويتأكد من اخلاقها، اذ ان معرفتها بالطبخ او الخياطة وغيرها لاتكفي ،المهم عنده ان تكون من ذوات الاخلاق الحميدة؛ وبعد سؤاله عنها،قالوا له انها طيبة ولكنها تشترط على الذين يتقدمون لخطبتها ، عدة شروط الشرط الاول تسكن هي وزوجها فقط والشرط الثاني ان يسجلوا الدار باسمها!لم يوافق احد على شروطها ،فلهذا السبب لم تحصل اي خطوبة لها؛
فكر في نفسه ،وقال: فتاة طيبة وعائلة سمعتها حسنة ولمجرد قولها انها تريد ان تعيش لوحدها مع زوجها ترفض؟ الواجب عليّ أن أعرف سبب شروطها بهدوء وبعد تفكيرطويل وصل الى حل ،وهو اذا اشترطت عليه نفس الشروط ،يرفض الارتباط بها؛كون ذلك يثبت بان غايتها المال ،واذا لم تشترط سوف يوافق على الزواج منها ؛شاهد الفتاة واقتنع بها وارسل لخطبتها ، فلم تشترط اي من الشروط التي سمعها ؛؛وتم الزواج، وانتقلت الزوجة(ميسون ) وعاشت مع ادريس سنة كاملة رزق منها توأماً ،ولد وبنت ؛وعاشت الاسرة بفرح وسرور..ولم تخالف امره في اي يوم من الايام ، تدهورت صحة والده يونس ،ولم يستطيع النهوض ، واخذ يشتكي من غير علة ، وظهرت عليه امراض الكبر ؛؛
واصبح طريح الفراش،وكثرت مراجعاته للطبيب وأصبح بحاجته ماسة الى من يخدمه ، وفي الايام الاولى من مرضه قام ادريس بخدمته وزوجته تساعده؛
ولكن في الاونة الاخيرة ، ضاقت ميسون من والده وبدلاً من أن تخدمه و تسمعه كلمات طيبة تهون عليه مرضه ، اخذت تسمعه كلمات جارحة ونابية ومنها ، ابتلاني الله بك ، وتدعو الله امامه ان يأخذ روحه ويخلصها منه ،وهو يسمع ولايجيب ، ولاتطاوعه نفسه اخبار ولده بتصرفاتها خوفاً عليه وعلى اطفاله؛؛
ادريس ولد بار يحترم والده ويقدسه ، ولايعصي له امراً
ولو سمع من زوجته اي كلام يؤذي والده ،فانه لايتورع من طردها فوراًوبدون تردد ؛؛
ادريس يرى السعادة من خلال سعادة ابيه التي يبديها له رغم مرضه ولايدري ان سعادة ابيه مفتعلة ولايبدي ما يعانيه من آلام المرض ومن تصرفات ميسون القاسية ؛؛في احد الايام دخل ادريس البيت في غير موعده فسمع باذنيه دعاء ميسون على والده ،وشاهد تصرفاتها القاسية معه وبدون شعورهجم عليها ضرباً بيديه وركلا برجليه ، وقام له والده رغم مرضه وشيخوخته وبمجرد لمس يد ولده تركها ، ولكنه
صمم على طلاقها وطردها من البيت ؛؛
اعترض عليه والده وقال له :لاأوافق على هذا الرأي ابداً مادمت حياً ، ثم ماذنب الاطفال ، هل نسيت ياولدي طفولتك ،عند فراق والدتك ؟وهل نسيت آلامنا ومعيشتنا
وعندما سمعت ميسون هذا الكلام عرفت ان ادريس لايستطيع مخالفة والده ولايستطيع طلاقها؛ وعليه فقد
صممت ميسون ان تكدر صفو حياتهم ،وتستغل عواطف والد ادريس وخوفه عليه وعلى اولاده ؛؛
فقالت انها لن تعيش معهم الابعد تسجيل الدار باسمها ضماناً لها من الضرب والطرد من البيت ؛؛
رفض ادريس طلبها بشدة الا ان والده امره ان يوافق على طلبها من اجل اولاده ؛؛
سكت ادريس على مضض ونفذ امر ابيه بتسجيل الدار باسمها وهو يتميز غيضاً بداخله ، ولكنه لايبدي غضبه لوالده خوفاً عليه وعلى صحته ؛؛
بعد ان تم تسجل الدار باسمها ،تجبرت اكثر ، وساءت اخلاقها اضعاف ماكانت عليه من سوء الخلق ؛؛
زاد مرض الرجل الكبير ، ودنت ساعته الاخيرة وانتقل الى رحمة الله..
وبعد اتمام مراسيم الدفن مباشرةً ، سارع الى المحكمة
وطلقها ، وترك لها كل شيء ، واخذ اولاده معه، ليقوم بتربيتهم كما رباه والده على مكارم الاخلاق ،وتخلص منها ومن اخلاقها ،،

محمد علي ابراهيم الجبير

‫شاهد أيضًا‬

تونس/ اصدار جديد للدكتورة فائزة القاسمي – جميع ألأوراق النقدية التي تم تداولها في البلاد التونسية من سنة 1847 الى سنة 2020

تونس /متابعة الأعلامي لطفي حريز إصدار جديد للدكتورة فائزة القاسمي جميع الأوراق النقدية الت…