‫الرئيسية‬ الموعد الادبي جرافيتي رواية تبحث عن الخلاص وعن سجن اخر لتحترق فيه بآمالها وآلامها
الموعد الادبي - 3 أكتوبر، 2022

جرافيتي رواية تبحث عن الخلاص وعن سجن اخر لتحترق فيه بآمالها وآلامها

تونس/متابعة شادي رريبي

“جرافيتي” رواية تبحث عن الخلاص وعن سجن آخر لتحترق فيه بآمالها وآلامها

سنية مدوري: إن التحرر وهم ونحن في رحلتنا نبحث فقط عن سجون أخرى أو نحن نتنقّل بين سجون متشابهة

بوكس: السجون في رواية “جرافيتي” معظمها من صنع الشخصيات بل هي جزء من أقدارهم
بوكس: الرواية ترصد مرحلة من تاريخ تونس المعاصر وهي مرحلة ما قبل تحوُّلات 14جانفي 2011
بوكس: الشخصيات هي في الحقيقة لا ترمز إلى ملاحقة البوليس فقط بل تذهب بعيدا إلى ملاحقة المجتمع بترسانة عاداته وتقاليده وأحكامه

تسْتعرضُ رواية “جرافيتي” للكاتبة والشاعرة التونسية سنية مدوري، قصَّة مجموعة من الشَّبان من خرِّيجي الجامعات تجمع بينهم هواجس فنِّيَّة وفكرية مشتركة كما تجمعهم وضعيتهم الاجتماعية المتمثِّلة في البطالة. غير أنَّ الراوي يهتمُّ اهتماما خاصَّا بالشَّابين (أسماء) الشاعرة و(شوقي) الرَّسام ابن البحَّار ثمَّ يتفرَّقُ شمل هذه المجموعة بفعل التضييقات الأمنية عليهم حتَّى يتجمَّعون بعد ذلك في مغَّارة في جبل ويحلمون بإنجاز معرض كبير لرسوم شوقي على جدارات المغارة ويوم المعرض تغيب أسماء فيجدها شوقي وقد قتلت بطلق ناريٍّ مجهول ثم يعود إلى المغارة ويحترق فيها مصحوبا بكل رفاقه ورسومه وآماله.
كأنَّ سنية المدوري أرادت في هذه الرواية أن تقول لنا أنَّه لم يعد في وسع الذوات التَّائقة إلى التَّحرُّر أن تبحث عن الخلاص هي فقط تبحث عن سجن آخر لتموت فيه أو لتحترق فيه بآمالها وآلامها. أو كأنَّها تخبٍّرُنا أنَّ التَّحرُّرَ وهم ونحن فقط نبحث عن سجون أخرى أو نحن نتنقَّلُ بين سجون متشابهة في رحلتنا. لذلك سنبحث عن سجن أخير يكون بمثابة محرقة أو قبر كما فعل شوقي ورفاقه.
حينما نتابع النسيج السَّرديَّ للنَّص نلاحظُ في البداية أنَّ البؤرة السردية ومورد المعلومة في الحكاية يصدرُ عن عون سرديِّ من خارج الحكاية إذ هي معلومة نابعة من راوٍ عليم ببواطن كلِّ الشخصيَّات كإله لا يشارك الشخصيَّات ولم يكنْ شخصيَّة مطلقا في الفصول التسعة الأولى ولا وجود له إلاَّ في مصاحبة القارئ لذلك يطلُّ علينا بين الفينة والأخرى انطلاقا من “الخطاب” ليبدي رأيه في الأحداث فيؤوِّلها ويتأمَّلها ويتفلسَفُ بلغة إيحائيَّة رمزية أشبه ما يكون بلغة الشعر.
وبناءً على مواقع الرَّاوي في الحكاية نستنتج أنَّ نمط الرُّؤية السائد في نص الرواية هو “الرؤية من خلف” مع خاتمة تكشِف للقارئ أنَّنا أمام “رؤية مصاحبة” ولكن لم تحضر الرؤية من الخارج إلاَّ في حادثة احتراق المغَّارة إذ لم يبيِّن الراوي من قام بها أو كيف ويبدو أنَّه ترك الأمر لتأويلات الكاتب أو أنَّه لم يكن يعرف المعلومة.
وبناء على ذلك يمكنُ أن نستخلص في الأخير أنَّ حتى صيرورة الرؤية في الرواية كانت تصبُّ في مدلولي السجن إذ بدا الراوي في البداية إلها حتى استيقظنا على أنَّه مجرد سجين يخطُّ مذكراته.
السجون في رواية “جرافيتي” معظمها من صنع الشخصيات بل هي جزء من أقدارهم. هكذا بد لنا سجن شوقي الرسَّام سجن مسيَّجٌ باللون الأزرق وهو سجين له. لذلك بدا رساما يقيم في الإزرقاق إقامة دائمة ومرضية. لا يرسم لوحاته إلا انطلاقا منه ولا يبحث إلاَّ في ممكناته ولا يستعمل من أمتعة إلا ما كان أزرقا أو مشتقا من الأزرق، لا بل إنه لن يعشق فتاة إلا من أجل فستانها الأزرق. تقول المدوري في ص15 “وليس له في ذلك من خلاص سوى البحث الدَّؤوب عن ممكنات أخرى للأزرق تشرعه على ما استغلق من ألوان في طور التخلُّق وقد تستحيلُ سجنا”.
إنَّ أغرب ما في شخصيَّات “جرافيتي” أنَّها مولعة بتحويل أحلامها ونوازعها وأشيائها إلى سجون، وربَّما كانت تفعل ذلك برغبة دفينة فيها لتتمكَّن من تحطيمها، طالما أنَّها عجزت عن تحطيم السجون الحقيقيَّة. هكذا تحوَّل المرسم عند شوقي من أجمل مكان يمارس فيه هوايته بل يمارس فيه حرِّيَّته إلى سجن لذلك هجر المرسم معتقدا أنَّه سجن ومعلِّلا لحبيبته أسماء نقول المدوري ص 37 “ما جدوى أن يظلَّ الإنسان حبيسَ حلمٍ كاذب وآمال واهية تقضي به في النِّهاية إلى حتفه” وهكذا تضيف المؤلفة ص 61 “كان شوقي يخطِّط للانعتاق من مرسمه ذلك السِّجن الخانق”.
إذا ترصد الرواية مرحلة من تاريخ تونس المعاصر وهي مرحلة ما قبل تحوُّلات 14جانفي 2011. وإذا تذكَّرنا أنَّ هذه المرحلة قد تميَّزت بجبروت نظام الحكم وأجهزته البوليسية والقمعية. نفهم أنَّنا أمام رواية تؤرِّخ لمرحلة حسَّاسة من تاريخ البلاد ونفهم أننَّا أمام نصِّ يشرِّح سجون الواقع في بلد يعاني هشاشة اقتصادية واجتماعية ألْقت بظلالها على شباب يطمح ويتوق إلى واقع أفضل يتوق إلى هامش من الحرِّية من الإبداع من الكرامة ليجد نفسه مخيَّرا بين سجون النِّظام أو سجون الهامش أو سجون الجنون أو سجون القبور. فالرواية من هذه الناحية تهتمُّ بقضايا حرية التعبير وبقضايا الحريَّات للإنسان وخاصة حرَّية الفنان والمبدع. لذلك نرى أنَّ حتى قضية الملاحقة البوليسية التي كانت هاجسا يحاصر الشخصيات هي في الحقيقة لا ترمز إلى ملاحقة البوليس فقط بل تذهب بعيدا إلى ملاحقة المجتمع بترسانة عاداته وتقاليده وأحكامه التي تجسِّدُ قيودا وسجونا لكل ذات تائقة إلى التحرُّر.

‫شاهد أيضًا‬

مكتب الكويت / وللفن رٱي آخر … لوحات زيتية للرسامة المصرية سالي كمال

مكتب الكويت. كتب الدكتور عابدين البرادعي. (وللفن رأى آخر)              تألقت الفنانه سالى …