‫الرئيسية‬ أسرة و مجتمع مكتب القاهرة-مصر /لحظة واحدة للحياة والتمني ؛وطارت الأحلام نحو السماء ،

مكتب القاهرة-مصر /لحظة واحدة للحياة والتمني ؛وطارت الأحلام نحو السماء ،

كتب الاعلامي احمد حمزة الدرع/نائب رئيسة الموعد الجديد العالمية @ قصة من الحياة

مكتب القاهرة

الاعلامي أحمد حمزة الدرع

#لحظة
كان في بداية الثلاثينات وبدأ يفكر بالزواج..نعم هو خريج جامعي وشاعر مرهف الاحساس ولكن هذا لا يكفي لفتح بيت أو زواج.. قرر ان يعمل دهانا ولكن ليس اي دهان او نقاش بل كان فنانا بالرسم على الجدران وكأنه يكتب عليها قصيدة من قصائده الخالدة… بعد سنتين جمع نصف مبلغ ” شبكة زواجه” ولكن ظرفا عائليا جعله يدفع ويضحي بتحويشة الزواج.. ويبدأ جمع مبلغ الشبكة من جديد…
استمر في العمل… فكان يخرج صباحا ولا يعود إلى بيته قبل العشاء… قبل ان ينام كان يكتب قصيدته اليومية ويخزنها على هاتفه المتواضع ويحفظها كرسالة.. نعم كرسالة ولكن دون مستقبل…فكلماته العذبة واحساسه المرهف بالانثى وحبيبة المستقبل جعله يحفظ الرسالة تلو الرسالة..
صارحني كثيرا بان حلمه ان يطبع ديوانه الخاص ليكون بمثابة ابنه الاول الذي كان دائما يحلم به…فهو لم يرزق به من زواج بعد فلعل هذا الديوان يعوضه…
شاءت الظروف ان احواله المادية تسوء.. ورغم سوئها كان قنوعا الي حد الزهد في هذه الدنيا… كان حريصا جدا على اناقته فهو شاعر ويداوم على حضور الصالونات الشعرية…
أعجبت ذات مرة بلباسه فقال لي هذا من ” البالة” والله يا احمد فأنا لا أملك بعد رفاهية شراء الجديد.. قالها مع بسمة جميلة ارتسمت في عيونه ولكني استطعت ان اخترق البسمة لاشاهد في اعماقها لمعة حزن..
مرت السنون و أصبح عمره أربعون عاما ونيف.. بدت علامات الكبر عليه… وبدت التجاعيد تعلو جبينه وتخترق جفونه الذين ارهقهم الزمن… والعمل معا…
في زيارتي قبل الأخيرة لمصر التقيته كعادتي على احد مقاهي القاهرة الشعبية… صحيح اننا كنا دائما على تواصل من خلال وسائل الاتصال… ولكن الجلوس مع احمد السيد كان له طعم اخر تماما…فكنت احتسي قهوتي مع بداية الاستماع الي اخر قصائده..
كان يحب أن يسمعني اياها بصوته المبحوح…. نعم كان صوته مبحوح.. فهو شاعر ولكن عنده عادة سيئة وهي الشيشة… كانت الشيشة تلازمه في كل وقت.. كان عدد مرات تدخين الشيشة عنده يوميا لا يقل عن عشر مرات…
في لقائنا قبل الأخير رجوته ان يقلل من شرب الشيشة فلقد لاحظت عليه الماً في ظهره اشتكى منه وقال لي انه يصل إلى يده احيانا ويجبره على الجلوس… رجوته ان يزور الطبيب ووعدني بذلك قبل ان اودعه…
مرت الايام وبعض الاشهر ويشاء الله أن ألتقي به ثانية أيضا على احد مقاهي القاهرة الشعبية وكالعادة بدا يسمعني احد قصائده مع حضور شيشته طبعا التي كان يدخنها بنهم وكأنه يحاول من خلال دخانها ان يتناسى همومه التي كان يبدو أنها انهكته…
كانت هذه المرة قصيدته بها فرح واضح.. فقلت له شو القصة ابو حميد فقال لي باركلي فرحي ” عرسي” الاسبوع القادم…
فرحت كثيرا فأنا اعلم خلال اتصالي الدائم به انه استطاع اخيرا ان يجمع خمسة آلاف جنيه ثمن الشبكة وانه كان يبحث عن عروس له ليسمعها ويهديها كل قصائده وكلمات الحب التي امضى عمره يكتبها ويرسمها…
قال لي ابو حميد لازم تحاول تضل اكبر فترة لان لازم تحضر حفل زفافي.. انت من اعز اصدقائي ويجب أن تحضر.. وحينها أسر لي أن هناك من ساعده في مصاريف الفرح ومن ساعده في فرش بيته وان الله فرجها من عنده…
كان عمر أحمد وقتها حوالي ثلاث وأربعين سنة… نعم ثلاث وأربعين سنة فلقد مرت ثلاثة عشرة سنة منذ نيته الزواج ولكن ظروفه المادية لم تساعده…
لاحظت عليه اثناء جلوسي معه ان ألم ضهره وصدره ما زال موجود.. وان نهمه بالشيشة الملعونة ما زال موجودا… ورجوته مرة أخرى ان يزور الطبيب وقلت له غدا صباحا ساخذك بيدي و لا تهتم باي شيء آخر….
ولكن في صباح اليوم التالي اعتذر مني وقال انا متعب سانزل الي البلد ” الضيعة”…
تزوج أحمد اخيرا ولكن للأسف لم أتمكن من حضور حفل زفافه.. بعد زواجه بأسبوع قال لي بأنه استدان مبلغا من المال واشترى “تكتك” ليعمل عليه كعمل إضافي فلقد أصبحت المسؤولية عليه اكبر اليوم بعد زواجه…. فقلت له هل من المعقول ان تكون شاعرا ورساما وتعمل على التكتك.. فقال لي الظروف تجبرني يا ابو حميد فلقد أصبحت اليوم زوجا مسؤولا… انت بس ادعوا لي يا صديقي…
كان فرحا جدا بزواجه الذي انتظره سنين كثيرة… وكان متلهفا جدا ان يرزقه الله بطفل.. بل انه كتب له قصيدة أيضا…
بعد أربعة شهور من زواجه وأثناء اتصالنا المعتاد أخبرني بأنه الي الان لا يوجد حمل.. كان قلقا جدا.. قال لي بأنه ارسل زوجته للكشف لدى الطبيب ومعرفة السبب.. وقال لي بأنه هو سيذهب أيضا للطبيب… فقلت له طول بالك يا ابو حميد الموضوع طبيعي ما صرلك متزوج اربع شهور… فكان جوابه انه على ابواب الأربعة وأربعين عام ويجب أن ينجب فقطار العمر يمضي.. وشوقه لطفله بات كبير جدا…كان هذا الاتصال بيني وبينه قبل حوالي نصف شهر من الان…
بعدها حاولت الاتصال به اكثر من مرة وكان هاتفه مغلق دائما.. وكان قلبي مع كل محاولة اتصال يخفق بشدة ويلاحظ اي شخص يجلس بجانبي انزعاجي الشديد لعدم تمكني من التواصل مع احمد…
باءت محاولاتي كلها بالفشل للاتصال به وزاد خوفي…
ولكن اخيرا رن هاتفه… واجاب ” الو”
“الو” من معي…فقلت عفوا اريد احمد السيد… فقال انا اخوه… واحمد مات… أحمد مات…. أحمد مات
تردد صدى هذه الكلمة كثيرا داخل عقلي.. رفض عقلي التصديق واعتصر قلبي… ووجدت نفسي اقول كيف وليش وأمته… ارجوك لا تمزح معي ارجوك..
فكان الجواب : ركب أحمد التكتك صباحا وحين صعد معه اول راكب وإذ باحمد يفقد الوعي فجأة ويرتطم راسه بالمقود ويتم اسعافه لاحقا للمشفى.. ولكن بلا فائدة…
نعم بلا فائدة فيبدو ان روح احمد اختارت الصعود في ذاك
الصباح… اختار قلبه ان يتوقف فجأة… نعم توقف قلبه بعد زواجه باربع شهور… بعد فرحه باربع شهور… مات أحمد

رحمك الله يا صديقي… ويا رفيقي… وادخلك الله فسيح جنانه.. رحلت يا احمد ولكن ذكراك سترافقنا دائما.. مكانك محفوظ في العقل والقلب…
سيسالني البعض ما سبب وفاة أحمد : ربما هي الشيشة الملعونة… ربما هو الوباء.. ربما هو استهتار بصحته خاصة بعد مرضه وأعراضه الاخيرة… لا أعرف لا أعرف… ما اعرفه فقط هو أن قلبه اختار التوقف….اختار انه لم يعد يستطيع الاحتمال… غدر بصاحبه ربما… فما اعرفه انا على الاقل ان أحمد انتظر زواجه كثيرا وكان ينتظر ابنه على أحر من الجمر… هي لحظة تغير فيها كل شيء… لحظة خطفت أحمد من محبيه…لحظة واحدة وبعدها مات أحمد… مات أحمد

#احمد_السيد

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

– المفاوضات – تضليل وغطاء للابادة الجماعية للشعب الفلسطيني

**المفاوضات: تضليل وغطاء للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني** اليمن /*كتب/عبدالله صالح الحاج…