السعودية/والكاتب السعودي : جميلة فتاة تونسية:جذبت الاهتمام بمكة المكرمة

السعودية/الكاتب السعودي أحمد صالح حلبي

جميلة ( فتاة من تونس ) جذبت الاهتمام بمكة المكرمة

في أواخر السبعينات الميلادية كانت أولى رحلاتي للجمهورية التونسية ، وكانت قصيرة المدة فلم تتجاوز العشرة أيام ، وانحصرت في تونس العاصمة ولم أزر غيرها ، وفي الثمانينات كانت الزيارة الثانية بصحبة زوجتي ، فزرت عدة مدن منها القيروان ، وسوسه ، وصفاقس ، وجربه ، وقربص ووصلت حتى تطاوين ، ومن زيارة لأخرى وجدت أن لهذه الدولة الواقعة في أقصى الشمال الإفريقي ، وتشكل جزءا من منطقة المغرب العربي الكثير من المميزات التي لا تتوفر في غيرها من دول العالم ، وهذا ما جعل والدي ـ يرحمه الله ـ زائرا دائما لها ، وجعل الشاعر السعودي طاهر زمخشري ـ يرحمه الله ـ عاشقا لها ، ومرددا طيبة أهلها واصالتهم بقوله : ” لست أخشى من عاذل أو رقيب طالما كنت في جوار الحبيب ـ ويعني الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة ـ يرحمه الله ” .
وإن كان الحديث عن تونس الخضراء التي جذب قلوب الكثيرين قبل أنظارهم ، فإن للدكتور عبدالعزيز أحمد سرحان عشق آخر ، حوله من عشق خفي إلى رواية متداولة أطلق عليها ( فتاة من تونس ) ، فجعل الحلم الذي يرادوه منذ عشرات السنين واقع يلمسه مترجما ذلك بقوله : ” منذ أن كنت فتى يافعاً، لارتباطي الوثيق (بفتاة تونس)امتد على مدار ثلاثة وستين عاما… فالرواية تعكس كثيرا من ملامح وعادات وتقاليد الحياة المكية خلال القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وتحمل كثيراً من ذكريات الطفولة وذكرياتي الأسرية والاجتماعية والعلمية، كما تتضمن كثيرا من الأخبار والمواقف والأحداث التي مرت على والد وأعمام وجد وأبن صاحبة الرواية نفسها، خلال مسيرتهم الحياتية والمعيشية بمكة المكرمة وخارجها….
ومن هذه المنطلقات، تملكتني رغبة شديدة لأن أدون ما سمعته وما عايشته في هذه الرواية، لكنني لم أبدأ بالكتابة مبكرا، لأنني وجدت نفسي لست محترفا ولا متمرسا في فن كتابة الرواية… فجميع الخلفيات التي أملكها عن الروايات، هو ما بجعبتي من شغف وحب لقراءة قصص كبار كتاب الرواية والقصة، أمثال: نجيب محفوظ ومحمود العقاد وطه حسين وأحمد السباعي ومحمد عبده يماني وعصام خوقير وسامي القصيبي وتشالز ديكينز، وإرنست هنمجواي، وفيكتور هيجو، وتولستوي وغيرهم، فعاش هذا التردد معي كثيرا، حتى شعرت بأن السنوات تمر سريعة وأن الموت قد يأتي في أية لحظة، فتجرأت على نفسي، وأصررت على البدء في كتابة (فتاة من تونس) ”
أما الفتاة التونسية التي تحدث عنها الدكتور السرحان وجعلها بطلة لروايته ، فلم تكن امرأة عادية ، بل كانت بطلة أنجبت وربت ومنحت وقتها وصحتها ليصبح أبناؤها أصاحب شخصيات مميزة علميا واجتماعيا ، وجميلة التي تحدث عنها الدكتور السرحان هي والدته التي خرجت من سيدي بوسعيد المطلة على البحر ، الحاضنة للمقاهي والمطاعم والمعارض ، المعروفة بشوارعها المرصوفة بالحصى ومنازلها المكسوة باللونَين الأزرق والأبيض، والأجواء الجميلة ، إلى مكة المكرمة قبلة المسلمين والتي تحتضن الكعبة المشرفة ، وبها المسجد الحرام، والمشاعر المقدسة ، وجميلة التي وصلت إلى مكة المكرمة كزوجة ، أدركت الفروق بين سيدي بوسعيد ومكة المكرمة ، فتغلبت على الصعاب لأنها أدركت شوق المسلمين لمكة المكرمة وتذكرت قول الشاعر :
رَبَّاهُ، أَوْصِلْنِي لِمَكَّةَ عَاجِلاً
فَالنَّفْسُ تَلْهَفُ وَالعُيُونُ تُدَمِّعُ
لذلك حرصت جميلة أن تجذب أنظار واهتمام سيدات المجتمع المكي بحسن حديثها ولباقة حديثها ، مما جعلها تترك أثرا يتناقله الأجيال ، فبنت مع جيرانها من سكان الحي علاقة فاقت العلاقات الأسرية ، ومنحت وقتها لأسرتها وأهل زوجها ، فكانت نعم الأم ، ونعم الحماة ، فرغم مرضها في سنواتها الأخيرة إلا أنها أصرت على ابنها أن يتركها رغم حاجتها له لكبر سنها ، ويكون قريبا من زوجته المريضة ، ففضلت زوجة الابن على نفسها ، لتضرب أروع الأمثلة على الوفاء .
ورواية ( فتاة من تونس ) لم تكن رواية جامدة ، فقد حملت الفن الأدبي ، وجاءت بأسلوب سردي متضمنا سلسلة من الأحداث وصفها الراوي على شكل قصة ، وحملت عناصرها الحبكة ، والشخصيات ، والمشاهد ، والحوارات ، والسرد ، أما موضوع الرواية فقد جمع بين الرواية التاريخية التي تتحدث عن الزمان والمكان ، وربطها بالطبيعة والجمال وبيئة الانسان ، ودعمها الراوي بمجموعة من الصور بدأ من شوارع سيدي بوسعيد بتونس ، مرورا بصورة المسجد الحرام قبل مائة عام ، ثم البيوت المكية التي تظهر الرواشين ، وبعض أسواق مكة المكرمة .
أما أبطال الرواية فقد تكون جميلة هي البطلة الأولى لا لكونها والدة الراوي ، بل لأنها من صنعت فكر الراوي وجعلته يتنقل من موقع لآخر واصفا روايته عبر رحلة ممتعة .
كاتب سعودي *
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com